كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
ومن الآيات الدالة على هذا الانوع من التوحيد قوله تعالى: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله واستغفر لِذَنبِكَ} [محمد صلى الله عليه وسلم: 19]، وقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]، وقوله: {قُلْ إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108] فقد أمَر في هذه الآية الكريمة أن يقول: إِنما أوحي إليه محصزر في هذا النوع من التوحيد. لشمول كلمة لا إله إلا الله لجميع ما جاء في الكُتب. لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده. فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتْبع ذلك من ثواب وعقاب، والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.
النوع الثالث: توحيده جلَّ وعلا في أسمائه وصفاته. وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
الأول: تنزيه الله جلَّ وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم. كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]
والثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه. أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله. كما قال بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] وقد قدمنا هذا المبحث مستوفىً موضحًا بالآيات القرآنية في سورة الأعراف.
ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا- على وجوب توحيده في عبادته. وللك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير. فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده. ووبَّخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده. لن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار} [يونس: 31] إلى قوله: {فَسَيَقُولُونَ الله} [يونس: 31]. فلمَّا أقروا بربوبيته وبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره بقوله: {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس: 31].
ومنها قوله تعالى: {قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84-85] فلمَّا اعترفوا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: 85]، ثم قال: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم سَيَقُولُونَ لِلَّه} [المؤمنون: 86-87] فلما أقرُّوا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 87]، ثم قال: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 88-89] فما أقروا وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89].
ومنها قوله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله} [الرعد: 16] فما صح الاعتراف وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} [الرعد: 16].
ومنها قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} [الزخرف: 87] فلما صح إقرارهم وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {فأنى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87].
ومنها قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت: 61] فلما صح اعترافهم وبخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {فأنى يُؤْفَكُون} [الزخرف87، العنكبوت: 61] وقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت63] فلما صح إقرارهم وبخهم منكرًا عليهم شِركهم بقوله: {قُلِ الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63]، وقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] فما صح اعترافهم وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {قُلِ الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25]، وقوله تعالى: {ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} [النمل: 59-60] ولا شك أن الجواب غلي لا جواب لهم البتة غيره: هو أن القادر على خلق السَّماوات والأرض وما ذكر معها، خير من جماد لا يقد على شيء. فلما تعين اعترافهم وبخهم منكرًا عليهم بقوله. {أإله مَّعَ الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 60]، ثم قال تعالى: {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزًا} [النمل: 61] ولا شك أن الجواب الذي لا جواب غيره كما قبله. فلما تعين اعتارفهم وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {أإله مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُون} [النمل: 61]، ثم قال جلَّ وعلا: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السواء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأرض} [النمل: 62] ولا شك أن الجواب كما قبله. فلما تعير إقرارهم بذلك وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {أإله مَّعَ الله قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، ثم قال تعالى: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [النمل: 63]، ولا شك أن الجواب كما قبله. فلما تعين إقرارهم بذلك وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {أإله مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 63]، ثم قال جلَّ وعلا: {أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض} [النمل: 64]، ولا شك أن الجواب كما قبله. فلما تعين الاعتراف وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {أإله مَّعَ الله قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64]، وقوله: {الله الذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ} [الروم: 40] ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو: لا! أي ليس من شركائنا من يقدر على ان يفعل شيئًا من ذلك المذكور من الخلق والرزق والإماتة والإحياء.
فلم تعين اعترافهم وبخهم منكرًا عليهم بقوله: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40].
والآيات بنحو هذا كثيرة جدًا. ولأجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع: أم كل الأسئلة المتعلَّقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار. لأن المقر بالبروبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة. نحو قوله تعالى: {أَفِي الله شَكٌّ} [إبراهيم: 10]، وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبًّا} [الأنعام: 164] وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار. لأن استقراء القرآن دل على أن الاستفهام المتعلَّق بالربوبية استفهام تقرير وليس استفهام إنكا، لأنهم لا ينكرون الربوبين، كما رابت كثرة الآيات الدالة عليه.
والكلام على أقسام التوحيد ستجده إن شاء الله في مواضع كثيرة مِن هذا الكتاب المبارك، بحسب المناسبات في الآيات التي نتكلم على بيانها بآيات أخر.
ومن هذي القرآن لِلتي هي أقوم- جعله الطلاق بيد الرجل. كما قال تعالى: {يا أيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} [الطلاق: 1] الآية، ونحوها من الآيات. لأن النساء مزارع وحقول، تبذر فيها النطف كما يبذر الحب في الأرض. كما قال تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223].
ولا شك أن الطريق التي هي اقوم الطرق: أن الزارع لا يرغم على الأزدارع في حقل لا يرغب الزراعة فيه لأنه يراه غير صالح له، والدليل الحسي القاطع على ما جاء به القرآن من أن الرجل زارع، والمرأة مزرعة- أن آلة الأزدراع مع الرجل. فلو أرادت المرأة أن تجامع الرجل وهو كاره لها، لا رغبة له فيها لم ينتشر، ولم يقم ذكره إليها فلاتقدر منه على شيء، بخلاف الرجل فإنه قد يرغمها وهي كارهة فتحمل وتلد. كما قال أبو كبير الهذلي:
ممن حملن بها به وهو عواقد ** حبك النطاق فشب غير مهبل

فدلت الطبيعة والخلقة على أنه فاع وأنها مفعول به ولذا أجمع العقلاء على نسبة الولد له لا لها.
وتسوية المرأة بالرجل في ذلك مكابرة في المحسوس، كما لا يخفى.
ومن هدي القرآن للتي هي اقوم- إباحته تعدد الزوجات إلى أربع، وأن الرجل إذا خاف عدم العدل بينهن، لزمه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمنه، كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها، هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء.
منها- أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض، وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأُمة، فلو حبس عليها في أحوال أعذارها لعطلت منافعه باطلًا في غير ذنب.
ومنها- أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عددًامن النساء في أقطار الدنيا، واكثر تعرضًا لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة. فلو قصر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محرومًا من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائهم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق! فسبحان الحكيم الخبير! كتاب حكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكين خبير.
ومنها- أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزاوج لفقرهم. فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء. لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفق وعدم القدرة على لوازم النكاح. فلو قصر الواحد على الواحدة، لضاع كثير من المستعدات للزواج ايضًا بعدم وجود أزواج. فيكون ذلك سببًا لضياع الفضيلة وتفشي الرزيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح. فإن خاف الرجل إلا يعدل بينهن، وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه. لأن الله يقول: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} [النحل: 90] الآية. والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن لا يجوز، لقوله تعالى: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل فَتَذَرُوهَا كالمعلقة} [النساء: 129]. أما الميل الطبيعي بمحبة بعضعن أكثر من بعض، فهو غير مستطاع دفعه للبشر، لأنه انفعال وتأثر نفساني لا فعل، وهو المراد بقوله: {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء} [النساء: 129] الآية، كما أوضحناه في غير هذا الموضع. ومت يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام، من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام والشغب الدائم المفضي إلى نكد الحياة، لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين سَخطت الأخرى. فهو بين سخطتين دائمًا- وأن هذا ليس من الحكمة. فهو كلام ساقط، يظهر سقوطه لكل عاقل. لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه ألبتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة. فهو أمر عادي ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه الإسلام- كلا شيء، لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى.
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة، لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا، كما هو معروف في الأصول. قال في مراقي السعود عاطفًا على ما تلغى فيه المفسدة المرجوحة في جنب المصلحة الراجحة:
أو رجح الإصلاح كالأسارى ** تفدى بما ينفع للنصارى

وانظر تدلي دوالي العنب ** في كل مشرق وكل مغرب

ففداء الأسارى مصلحة راجحة، ودفع فدائهم النافع للعدو مفسدة مرجوحة، فتقدم عليها المصلحة الراجحة. أما إذا تساوت المصلحة والمفسدة، أو كانت المفسدة أرجح كفداء الأسارى بسلاح يتمكن بسببه العدو من قتل قد الأسارى أو أكثر من المسلمين، فإن المصلحة تلغى لكونها غير راجحة، كما قال في المراقي:
اخرم مناسبًا بمفسد لزم ** للحكم وهو غير مرجوح علم

وكذلك العنب تعصر منه الخمر وهي أم الخبائث، إلا أن مصلحة وجود العنب والزبيب والانتفاع بهما في أقطار الدنيا مصلحة راجحة على مفسدة عصر لخمر منها ألغيت لها تلك المفسدة المرجوحة. واجتماع الرجال والنساء في البلد الواحد قد يكون سببًا لحصول الزنى إلا أن التعاون بين المجتمع من ذكور وإناث مصلحة أرجح من تلك المفسدة، ولذا لم يقل أحد من العلماء إنه يجب عزل النساء في محلًّ مستقل عن الرجال، وأن يجعل عليهن حصن قوي لا يمكن الوصول إليهن معه، وتجعل المفاتيح بيد أمين معروف بالتقى والديانة كما هو مقرر في الأصور.
فالقرآن أباح تعدّد الزواجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطّل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة الفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية. والعلم عند اله تعالى.
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم- تفضيله الذكر على الأنثى في الميراث. كما قال تعالى: {وَإِن كانوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].
وقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمه: أنه يبين لخلقه هذا البيان الذي نمن جملته تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث لئلا يضلوا. فمن سوى بينهما فيه فهو ضال قطعًا.
ثم بين أنه أعلم بالحكم والمصالح وبكل شيء من خلقه بقوله: {والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقال: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} [النساء: 11] الآية.
ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدّ لها تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث الذي ذكره الله تعالى. كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ} [النساء: 34] أي وهو الرجال {على بَعْضٍ} [النساء: 34] أي وهو النساء، وقوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} [النساء: 228] وذلك لأن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعة، وشرف وجمال. والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس.